تنمية حب المشاركة عند الأطفال

حب المشاركة عند الأطفال: الأسس التربوية والوسائل الفعالة لتنميته

مقدمة

إن تنمية حب المشاركة عند الطفل لا تُعد رفاهية تربوية أو جانباً ثانوياً من جوانب التنشئة، بل هي عنصر جوهري في تكوين شخصيته الاجتماعية، وتنمية ذكائه العاطفي، وتعزيز قدرته على بناء علاقات صحية مع الآخرين. تعتبر القدرة على المشاركة ركيزة أساسية لبناء مجتمع متماسك، يبدأ من الأسرة ويمتد إلى المدرسة والبيئة العامة. ويتطلب هذا الجانب التربوي فهماً عميقاً لمراحل النمو النفسي والاجتماعي للطفل، وللمحفزات والمؤثرات التي تعزز هذا الميل الفطري وتحوله إلى عادة راسخة وسلوك دائم.

أهمية حب المشاركة في الطفولة المبكرة

تتجلى أهمية غرس روح المشاركة لدى الطفل في عدة مستويات. فعلى الصعيد النفسي، تساهم المشاركة في تقوية الإحساس بالانتماء وتقدير الذات، حيث يشعر الطفل بأنه جزء فاعل من محيطه وليس مجرد متلقٍ أو تابع. أما على المستوى الاجتماعي، فالمشاركة تعلم الطفل مهارات التفاوض والتعاون، وتُكسبه القدرة على وضع حدود لنفسه واحترام حدود الآخرين. وعلى الصعيد القيمي، تغرس روح المشاركة مفاهيم الكرم، والتسامح، والعدل، والمساواة، وهي مفاهيم محورية لبناء ضمير أخلاقي سليم.

العوامل المؤثرة في تنمية حب المشاركة

1. البيئة الأسرية
   
   الأسرة هي النواة الأولى التي يتعلم فيها الطفل معنى العطاء والتشارك. عندما يرى الطفل أن والديه يتقاسمان المهام والواجبات ويمنحان بعضهما البعض الوقت والجهد والمشاعر، فإن هذا النموذج يصبح مرجعاً داخلياً له. كذلك، فإن تشجيع الأشقاء على التعاون وتقاسم الألعاب والمسؤوليات يعزز لديهم شعور العدالة والتكافؤ.

2. النمذجة السلوكية
   
   يتعلم الأطفال من خلال الملاحظة، لذا فإن مشاهدة البالغين وهم يمارسون المشاركة بوعي وإيجابية (سواء في المنزل أو المدرسة أو الأماكن العامة) يُعد وسيلة تعليمية فعالة. على سبيل المثال، عندما يرى الطفل والده يتقاسم الطعام مع أحد المحتاجين، أو والدته تشارك جارتها وقتاً للمساعدة أو الحوار، فإن هذا السلوك يترسخ في عقله كسلوك طبيعي.

3. التعزيز الإيجابي
   
   يجب أن تُقابل محاولات الطفل للمشاركة بتقدير ملموس، سواء بالثناء اللفظي أو التعزيز المادي الرمزي. فعندما يُثنى على الطفل أمام الآخرين لأنه تقاسم لعبته مع صديقه، فإن هذا يعزز رغبته في تكرار السلوك ويؤكد له أن فعله مقبول ومرغوب.

4. التشجيع من خلال القصص والألعاب
   
   تلعب القصص دوراً محورياً في ترسيخ المفاهيم التربوية، خاصة عندما تكون الشخصيات محبوبة وقريبة من وجدان الطفل. كما تُعد الألعاب التعاونية، مثل البناء الجماعي أو حل الألغاز المشتركة، وسيلة ممتازة لتعليم الطفل كيفية العمل مع الآخرين والشعور بمتعة الإنجاز المشترك.

5. التواصل العاطفي واللفظي
   
   على الأهل والمربين أن يخصصوا وقتاً للحديث مع الطفل عن أهمية المشاركة، لكن بأسلوب يتناسب مع عمره. يجب أن تُشرح له المفاهيم لا كمواعظ جافة، بل من خلال مواقف حياتية واقعية، بحيث يدرك من خلالها أن المشاركة لا تُنقص من ملكيته أو قيمته، بل تعززها.

الاستراتيجيات العملية لتنمية حب المشاركة

• إشراك الطفل في المهام اليومية:
  
  مثل إعداد المائدة، ترتيب الألعاب، أو ري النباتات. مشاركة الطفل في الأعمال المنزلية تعزز حس المسؤولية والانتماء.

• تنظيم أنشطة جماعية مع أقرانه:
  
  مثل الحفلات البسيطة، أو ورشات العمل الفنية، أو مسابقات جماعية، حيث يتعلم الطفل روح الفريق ويختبر متعة التشارك الواقعي.

• استخدام الوسائل الرمزية للمشاركة:
  
  كصناديق “المشاركة” التي يضع فيها الطفل شيئاً يومياً يمكن مشاركته مع الآخرين، مثل قصة، لعبة، أو حتى فكرة.

• إتاحة الفرصة للمبادرة الذاتية:
  
  بدلاً من فرض المشاركة كواجب، يجب أن يشعر الطفل بأنها قرار نابع منه. على سبيل المثال، يُسأل الطفل عما إذا كان يرغب في إعطاء جزء من حلوى العيد لصديقه، وإذا فعل يُكافأ على مبادرته.

• تعليم التعاطف والانتباه للآخر:
  
  الطفل الذي يتعلم أن يلاحظ مشاعر غيره ويتعاطف معها سيكون أكثر ميلاً للمشاركة. يمكن تعزيز هذا من خلال الحوار مثل: “انظر إلى أخيك، إنه حزين لأنه لم يلعب بعد. ماذا يمكننا أن نفعل؟”

مراحل تطور حب المشاركة حسب الفئة العمرية

التحديات الشائعة في تعليم الطفل المشاركة

رغم أن الميل للمشاركة فطري في بعض أبعاده، إلا أن هناك صعوبات قد تعترض طريق هذا النمو السلوكي، من أبرزها:

• الغيرة بين الإخوة:
  
  حيث يشعر الطفل أن ما يُطلب منه من مشاركة لا يُطلب من غيره، مما يخلق إحساساً بالظلم.

• الانطواء أو القلق الاجتماعي:
  
  بعض الأطفال لا يشاركون بسبب خوفهم من الرفض أو النقد، وليس بسبب أنانية.

• ضعف التقدير الذاتي:
  
  الطفل الذي لا يشعر بقيمته الشخصية قد يرى أن ممتلكاته هي المصدر الوحيد لاعتراف الآخرين به، فيرفض مشاركتها.

• النماذج السلبية في البيئة:
  
  مثل مشاهدة الكبار وهم يتصرفون بأنانية أو يُظهرون سلوكيات احتكارية، ما يجعل الطفل يعتقد أن هذه هي الطريقة المثلى للتعامل.

كيفية التعامل مع رفض الطفل للمشاركة

يجب التعامل مع رفض الطفل للمشاركة بحكمة ودون لوم مباشر، بل بفهم الدافع وراء الرفض. من الضروري تجنب العقاب أو التهديد، واستبدالهما بالحديث الهادئ، والتوجيه غير المباشر، وطرح البدائل. في بعض الأحيان، يكون من المفيد إعطاء الطفل مساحة من الخصوصية لامتلاك أشياء خاصة لا يُجبر على مشاركتها، مع تعليم الفرق بين “ما يمكن مشاركته” و”ما هو شخصي”.

المدرسة ودورها في تعزيز ثقافة المشاركة

تلعب المدرسة دوراً مكملاً ومحورياً في تنمية حب المشاركة لدى الطفل. من خلال أنشطة العمل الجماعي، والمشاريع المشتركة، والمسابقات التعاونية، يمكن ترسيخ قيم المشاركة في بيئة تعليمية منظمة. كذلك، فإن المعلمين يجب أن يكونوا قدوة في العطاء والتشارك في الصف الدراسي، وأن يُكافئوا السلوكيات التعاونية بشكل علني.

ختام تربوي

حب المشاركة لا يُولد في لحظة، ولا يُلقن من خلال الأوامر، بل يُزرع بالصبر والملاحظة والتعزيز والنمذجة. هو نتاج بيئة أسرية داعمة، وتعليم حكيم، وتجارب حياتية متراكمة تعطي الطفل الأدوات النفسية والاجتماعية اللازمة لفهم معنى “نحن” بدلاً من “أنا”. وكلما نُمي هذا الحب منذ السنوات الأولى، كبرت مع الطفل مهاراته الاجتماعية، وأصبح أكثر قدرة على بناء عالم إنساني يقوم على التضامن والتعاون.

المراجع

1. Piaget, J. (1951). Play, Dreams and Imitation in Childhood. Routledge.

2. Erikson, E. H. (1963). Childhood and Society. W. W. Norton & Company.